ليس من الصعب
أن نقدم تعريفاً للمثقف بالمعنى الاكمل . ويمكن أن نستنبط من جيمع
الاوصاف والتعاريف التي تُطلق على المثقف ، أصلاً أساسياً واحداً هو
العقلانية . وبالامكان ايضاً اضافة اربعة اصول أُخرى لتنتظم تحتها
خصائص المثقف الحقيقي : 1 ـ العقلانية : البصيرة والتعقل من اهم
الشروط التي ينبغي توفرها في المثقف ، ولا يمكن أن نطلق أبداً على
الفرد كلمة مثقف إذا كان قليل العقل شارد الفكر ، وهذا الشرط المهم
والاساسي تضعه كل الامم الشرقية والغربية على حد سواء ، من أجل أن
تطلق مصطلح المثقف على رجالها ; ولهذا يجب على المثقف أن يتأمل
ويتدبر ويفكر بعواقب الامور ، ويقارع الافكار الباطلة والخرافات ،
ويلتزم بالضرورات العقلية ، ويتجنب الانقياد اللامنطقي للاخرين .
كما يجب أن يرفق المثقف بالجاهلين ، ويجالس العلماء والفضلاء ،
ويميز بين التعبد المنطقي والتعبد اللامنطقي ، فيتجنب الثاني ويلتزم
بالاول ; ولانه غير متخصص في جميع الامور فهو مضطر إلى مراجعة اهل
الفن والاختصاص وتقليدهم ، وهذا التقليد ممدوح ومندوب إليه ، في
مقابل التقليد المذموم الذي يجب على المثقف الابتعاد عنه ، كالتقليد
في القضايا الفكرية الاساسية والعقيدة . ولابد من القول إن المرء
الذي ينظر إلى افواه الاخرين واقلامهم ليأخذ عنهم العقيدة والرأي ،
دون أن يعمل فكره ، ويتأمل فيها بما فيه الكفاية ، ويعتنقها دون
تفحص ، هو بعيد عن الثقافة . كذلك من يحاول أن يتشبه بالمثقف المفكر
دون أن يمتلك الصلاحية الكافية ، فهو إنما يحط في واد لا يستطيع
اجتيازه ، ويسير في خط يؤدي به إلى التيه فينكشف جهله لدى الناس .
وقد اولى الاسلام الاهمية الكافية للعقل ، بعكس الكنيسة التي لم تضع
لاي شخص أو جهاز مرجعية أو ولاية فكرية . وتحث السنة الاسلامية ـ
ولا سيما الفكر الشيعي الذي يدعو إلى الاجتهاد ـ البشر إلى التأمل
والتفكر ، حتى إن الثقافة القرآنية والروائية اعتبرت التدبر فوق كل
العبادات . وعليه ليس بوسع الانسان المتنور في هذا العصر أن يلتمس
أي عذر للابقاء على مشاكل حياته الخطيرة دون حل ، ولابد أن يتخذ
مواقف واضحة حيال المسائل الفكرية للتيارات الرئيسية البشرية ،
ويحدد واجباته وواجبات عباد اللّه على وجه الدقة ; لان حالة الشك
والتردد هي آفة الثقافة والفكر ، رغم أنها ربما أتت من الثقافة
الاجنبية ، إلاّ أنها بعيدة عن العقل ومنهج العقلاء ، وليس لها مكان
في ثقافتنا .