5 ـ
الحرية
ينبغي
للمثقف أن يتصف بالفكر الحر ، ولكن ليس كالمفكر الحر الاوربي
«Free thinker» ، الذي ظهر في مقابل
الكنيسة ، وفك عن عنقه كل انواع التعبد ، ولم يؤمن بأي التزام ديني
. وهذا الفكر المنفلت من أي التزام بأي عقيدة أو دين ، لا يمكن أن
يتحقق على ارض الواقع ; لان الحرية المطلقة في البعد الفكري أمر غير
ممكن ، وحتى إن سلّمنا بإمكانية ذلك جدلاً فإنها ستكون حرية غير
مستساغة ، فهل يمكن للانسان أن يصبح مثقفاً ثم لا يلتزم بكلمة حق ؟
وهل يستطيع المرء أن يعيش بلا فكر ؟ إذن أليس من الاجدر به أن
يلتجىء إلى الحقيقة ، ويتحرر من الباطل ؟ المثقف الحقيقي هو مَنْ
يتحرر ـ في المرحلة الاولى ـ من قيود اهوائه النفسية ، ويستسلم
للعقل والمنطق ; وهذا الامر يتطلب جهداً ليس باليسير ، ثم يتحرر ـ
في المرحلة الثانية ـ من أهواء الاخرين ، والعصبية القومية
والطائفية والحزبية ، ثم يتحرر من الافكار المستوردة التي لا تنسجم
مع الثقافة الوطنية والدينية . وفي الختام لابد أن نضيف أن المثقف
بعيد كل البعد عن الجمود والسكون والسطحية ; ولهذا نلاحظ أن بعض
العلماء ـ رغم التزامهم وجرأتهم النابعة من ايمانهم ـ لم يستطيعوا
أن يمارسوا دور المثقف ، رغم أن الثورة الاسلامية أخذت تزيل
تدريجياً هذا النقص عن هذا البعض ، ليحل الوعي والمعرفة محل التحجر
والتقدس ، وتتعزز قدرتهم على رفع المستوى الثقافي والفكري في
المجتمع ، ليصبحوا من ثم بحق دعاة الاصلاح الاجتماعي ، وتدبير شؤون
المجتمع . هذا إذا أردنا ألاّ نخوض في حياة اولئك العلماء الذين
بيضوا وجه التاريخ على مدى الزمان ، وأغنوا الثقافة الاسلامية بتراث
ضخم ، ولازالوا يمدون الامة