akdak

المقالات

قسم الفكر الاسلامي

حشر الوحوش والجن والشياطين

150

العلامة المحقق السيد عبد الله شبر

قال اللّه تعالى : {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} [التكوير: 5] وقال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: 38] .

والمشهور بين المفسرين أن المراد بالحشر في الآيتين الحشر في القيامة.

قال أمين الدين الطبرسي رحمه اللّه‌ إِذَا اَلْوُحُوشُ حُشِرَتْ‌، أي جمعت حتى يقتص لبعضها من بعض، فيقتص للجماء من القرناء، يحشر اللّه سبحانه الوحوش ليوصل إليها ما تستحقه ‌من الأعواض على الآلام التي نالتها في الدنيا، وينتصف لبعضها من بعض، فإذا وصل إليها ما استحقته من الاعواض.

فمن قال إن العوض دائم ، قال تبقى منعمة إلى الأبد ، ومن قال ‌باستحقاقها العوض منقطعا، فقال بعضهم يديمه اللّه لها تفضلا لئلا يدخل على المعوض‌ غم بانقطاعه، وقال بعضهم إذا فعل اللّه بها ما استحقته من الأعواض جعلها ترابا.

وقيل في تفسير الآية الثانية ، أي يحشرون إلى اللّه بعد موتهم يوم القيامة كما يحشر العباد، فيعوض اللّه ما يستحق العوض منها، وينتصف لبعضها من بعض، وهذا هو المشهور بين المتكلمين من الخاصة و العامة أن الوحوش تحشر.

وعن عبد اللّه بن عمر قال: إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم وحشر الدواب والبهائم و الوحوش ، ثم يجعل القصاص بين الدواب حتى يقتص للشاة الجماء من‌ الشاة القرناء التي نطحتها.

وقال مجاهد : يقاد يوم القيامة للمنطوحة من الناطحة.

وقال ‌مقاتل : إن اللّه يجمع الوحوش والهوام والطير وكل شي‌ء غير الثقلين، فيقول من ربكم، فيقولون الرحمن الرحيم، فيقول لهم الرب بعد ما يقضي بينهم حتى يقتص للجماء من‌القرناء، إنا خلقناكم وسخرناكم لبني آدم و كنتم مطيعين أيام حياتكم فارجعوا إلى الذي ‌كنتم، كونوا ترابا فيكونون ترابا، فإذا التفت الكافر إلى شي‌ء صار ترابا يتمنى، فيقول ياليتني كنت في الدنيا على صورة خنزير رزقي كرزقه، وكنت اليوم أي في الآخرة ترابا.

وقال الرازي في تفسير الآية الأولى: قال قتادة يحشر كل شي‌ء حتى الذباب‌ للقصاص.

وقالت المعتزلة ان اللّه يحشر الحيوانات كلها في ذلك اليوم ليعوّضها على‌آلامها التي وصلت إليها في الدنيا بالموت و القتل و غير ذلك، فإذا عوضت عن تلك الآلام ‌فإن شاء اللّه ان يبقي بعضها في الجنة إذا كان مستحسنا فعل، وإن شاء أن يفنيه أفناه على ماجاء به الخبر.

وأما أصحابنا فعندهم أنه لا يجب على اللّه شي‌ء بحكم الاستحقاق، ولكنه‌ تعالى يحشر الوحوش كلها فيقتص للجماء من القرناء،ثم يقال لها موتي فتموت.انتهى.

و روى الجمهور عن أبي ذر قال: بينما أنا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذ انتطحت عنزان، فقال النبي أتدرون فيم انتطحا، فقالوا لا ندري، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لكن اللّه يدري و سيقضي ‌بينهما.

وروى الكليني و البرقي في المحاسن أن أمير المؤمنين عليه السّلام صعد المنبر،فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:أيها الناس إن الذنوب ثلاثة ، ثم أمسك. فقال له حبة العرني: يا أمير المؤمنين فسرها لي. فقال: ما ذكرتها إلا و أنا أريد أن أفسرها و لكنه عرض لي بهر حال بيني و بين الكلام، نعم الذنوب ثلاثة فذنب مغفور، وذنب غير مغفور، وذنب نرجو لصاحبه ونخاف عليه. قيل يا أمير المؤمنين فبيّنها لنا، قال: نعم ، أما الذنب المغفور فعبد عاقبه اللّه تعالى على ذنبه في الدنيا، فاللّه أحكم وأكرم ان يعاقب عبده مرتين، وأما الذنب ‌الذي لا يغفر فظلم العباد بعضهم لبعض، إن اللّه تبارك و تعالى إذا برز لخلقه أقسم قسما على نفسه، فقال وعزتي وجلالي لا يجوزني ظلم ظالم ولو كف بكف، ولو مسحة بكف، أي ضربة كف بكف ومسحة كف بكف، أو بجسد بحيث يشتمل على إهانة أو إيذاء أوتحقير أو تلذذ و شهوة و نطحة ما بين الشاة القرناء إلى الشاة الجماء، فيقتص اللّه للعباد بعضهم من بعض، حتى لا يبقى لأحد عند أحد مظلمة، ثم يبعثهم اللّه إلى الحساب.

وأما الذنب الثالث فذنب ستره اللّه على عبده ورزقه التوبة، فأصبح خاشعا من ذنبه راجيا لربه، فنحن له كما هو لنفسه نرجو له الرحمة و نخاف عليه العقاب. الظاهر أن هذه الأقسام من الذنوب بالنسبة إلى المؤمنين، إذ الكفار يعاقبون في‌ الدنيا و الآخرة، والخوف عليه بعد التوبة مع وجوب قبولها بشرائطها لعله لاحتمال التقصيرفي شرائط التوبة.

وروى العامة و الخاصة و منهم الشيخ في الأمالي، والمفيد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال : أيها الناس نحن في القيامة ركبان أربعة ليس غيرنا، أنا على البراق، وأخي صالح على ناقة اللّه التي عقرها قومه، وابنتي فاطمة على ناقتي العضباء، وعلي بن أبي طالب على ناقة من‌ نوق الجنة، وفي رواية أخرى عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنا على البراق، وأخي صالح على ناقة اللّه التي‌عقرها قومه، وعمي حمزة أسد اللّه وأسد رسوله على ناقتي العضباء،

وأخي علي بن أبي‌ طالب على ناقة من نوق الجنة.

وروى الصدوق في الفقيه عن السكوني باسناده، أن النبي صلّى اللّه عليه و آله وسلّم أبصر ناقة معقولة وعليها جهازها، فقال أين صاحبها مروه فليستعد غدا للخصومة.

وعنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: استفرهوا ضحاياكم فإنها مطاياكم على الصراط.

وروي أن خيول الغزاة في الدنيا خيولهم‌ في الجنة.و ورد عنهم عليه السّلام في مانع الزكاة تنهشه كل ذات ناب بنابها،و تطأه كل ذات‌ظلف بظلفها.و روى الصدوق في الفقيه عن الصادق عليه السّلام قال:أي بعير حج عليه ثلاث سنين‌ يجعل من نعم الجنة، وروي سبع سنين.

وعن الصادق عليه السّلام قال: لا يكون في الجنة من البهائم سوى حمارة بلعم بن‌ باعورا، و ناقة صالح، وذئب يوسف، وكلب أهل الكهف ، والأخبار في ذلك غير غزيرة يقف عليها المتتبع، فظهر أن الحيوانات تحشر في الجملة، بعض للقصاص وبعض تدخل‌ الجنة، وبعضها لبعض المصالح. وأما ما يؤول إليه أمرها بعد الحشر فعلمه عند اللّه ولم ‌يصل إلينا دليل معتمد في ذلك، وقد أمرنا بالسكوت عما سكت اللّه عنه. ولهذا ان أكثر المتكلمين من الإمامية اقتصروا على الاجمال في حشرها ولم يذكروا التفصيل.

أما سائر المكلفين من الملائكة والجن والشياطين فلا خلاف في حشرهم ، وأن‌ الملائكة يدخلون الجنة، والشياطين في النار إلا من ندر ممن آمن منهم كما ورد في بعض‌ الأخبار النادرة ، وأما الجن فعصاتهم في النار، وأما الصالحون المؤمنون منهم فهم‌ مثابون على إيمانهم وأعمالهم قطعا، ولكن اختلف في انهم هل يدخلون الجنة وتكون ‌منازلهم أدنى من بني آدم كما عليه الأكثر، أم انهم يسكنون الأعراف كما عليه بعضهم.

وقد روى القمي في تفسيره قال: سئل العالم عليه السّلام عن مؤمني الجن يدخلون‌ الجنة. فقال لا و لكن للّه حظائر بين الجنة و النار يكون فيها مؤمنو الجن و فساق الشيعة.

ولكن بمجرد هذا الخبر لا يثبت المدعي لا سيما و ظاهر كثير من الآيات والروايات الدالة على ان ثواب المكلفين الجنة بخلافه ،لا سيما في سورة الرحمن حيث أظهر فيها الامتنان‌على الإنس والجن بنعيم الجنة وظاهر قوله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: 56] ‌حيث إن ظاهرها ان للجن حور أيضا، وان احتمل أن يكون المعنى يعطي الإنس حورا لم‌ يطمثهن إنس قبلهم، ويعطي الجن حورا لم يطمثهن جن قبلهم، وللتوقف في ذلك مجال ‌واللّه العالم بحقائق الأحوال.