akdak

المقالات

قسم الاقتصاد

الضغوط الاقتصادية على الشيعة

416

جعفر السبحاني

بهدف تضعيف الجبهة الشيعية والقضاء على القوات الشيعية المناضلة راح المتوكل يستخدم وسيلة الضغط الاقتصادي فضيّق عليهم وأمعن في إفقارهم كثيراً بشكل لم يسبق له نظير إلى ذلك الحين ونحن نعرف طبعاً انّ الشيعة ظلت تعاني من سوء الوضع المالي وترزح تحت الضغوط الاقتصادية بعد رحيل الرسول (صلَّى الله عليه وآله) دائماً ومضافاً إلى سلب فدك من فاطمة الزهراء (عليها السلام) الذي تم بدوافع سياسية ولتضعيف بنية أمير المؤمنين وبني هاشم الاقتصادية توجد هناك أمثلة كثيرة في التاريخ الإسلامي والتي منها سياسة معاوية تجاه الشيعة خاصة بني هاشم ؛ فإنّ أحد الأساليب التي اتّبعها معاوية لأخذ البيعة من الحسين بن علي (عليمها السَّلام) لولاية عهد يزيد هو قطع العطاء من بيت المال عن بني هاشم خلال سفره إلى المدينة ؛ والمثال الآخر هي سياسة التجويع والإفقار التي اتّبعها أبو جعفر المنصور الدوانيقي ثاني خلفاء بني العباس فقد أمعن هذا الأخير في تطبيق سياسة التجويع والإفقار على نطاق واسع وكان هدفه من ذلك هو إخضاع الناس من خلال تجويعهم وإفقارهم لكي يظل الشعب يفكّر في سد جوعه دائماً حتى ينسى القضايا الاجتماعية الكبرى والتفكير بها. وقد تحدث ذات يوم أمام حاشيته وخواصه عن الأسباب التي دعته أن يبالغ في سياسة التجويع وبشكل ساخر فقال: صدق ابن الأعرابي حيث يقول: اجع كلبك يتبعك وهذا الكلام يوضح لنا مدى استهانة بني العباس بالأُمّة الإسلامية واحتقارهم لها وقد شملت سياسة التجويع والإفقار والضغوط الاقتصادية الشيعة والعلويين أكثر من غيرهم لأنّهم كانوا في طليعة المجاهدين الذين وقفوا في وجه ظلم الخلفاء ولم تكن حكومة هارون مستثناة من هذه الخطة العامة إذ حرم هو الآخر الشيعة من حقوقهم المشروعة للقضاء على حركتهم النهضوية من خلال سيطرته على أموال المسلمين وصرفها على ملذّاته ورغباته وأهوائه هو وحاشيته وعليه كان الشيعة على معرفة بهذه المعاناة والمضايقات غير انّ سياسة التجويع والضغوط والمضايقات الاقتصادية التي مارسها المتوكل اتخذت أبعاد أكثر اتساعاً وخطورة نشير إلى بعض منها:

1- وقد ضيّق على الشيعة وبالغ في ذلك حتى قيل انّه لم يكن للنساء العلويات في تلك الفترة بالمدينة ثياب سالمة يرتدينها للصلاة وكنّ يملكن ثوباً واحداً بالياً يرتدينه في الصلاة بالتناوب ويعشن على بيع الغزل وبقين على هذه الحالة من الفقر والفاقة حتى هلك المتوكل .

2- ولّى عمر بن فرج الرّخجي على المدينة ومكة وكان هذا يمنع الناس من التقرّب إلى آل أبي طالب والإحسان إليهم وبالغ في ذلك فاشتد الأمر على العلويين بعد أن خاف الناس من الالتفاف حولهم والتقرّب منهم .

3- وصادر المتوكل فدك التي كانت كلّ ما يملكه العلويون ؛ وروي أنّ عائداتها كانت تبلغ 24000 ديناراً في تلك الفترة وقد وهبها المتوكل لعبد اللّه بن عمر البازيار وهو من أصحابه .

4- أمر عامله على مصر بأن يعامل العلويين وفق القواعد التالية :

أ: أن لا يسمح لأي واحد من العلويين بأن يمتلك أي شيء مضافاً إلى عدم السماح لهم بركوب الخيل والتنقّل من الفسطاط إلى المدن الأُخرى .

ب : أن لا يسمح لأي واحد من العلويين بامتلاك أكثر من عبد واحد .

ج : وإذا ما وقع تخاصم بين علوي وغيره فعلى القاضي أن يستمع أوّلاً إلى كلام خصم العلوي ومن ثمّ يأخذ بكلامه دون الاستماع إلى كلام العلوي .

وإلى جانب كل ما مارسه من ضغوط وتضييق وإفقار مضني ضد الشيعة لم يأل المتوكل جهداً في العبث بأموال المسلمين وتشييد القصور الفخمة وإقامة المجالس المفعمة بالبذخ والمجون والتبذير فقد بنى قصوراً عديدة أنفق عليها أموالاً طائلة منها: الشاه والعروس الشبداز البديع والغريب والبرج ؛ وأنفق على قصر البرج مليون وسبعمائة ألف دينار وبنى قصراً آخر اشتهر باسم البُركُواء وقد أنفق على هذا القصر الذي كان من أحسن وأكبر قصوره عشرين مليون درهم ؛ وكان قد بنى قصوراً أُخرى للّهو كالجعفري والمليح والغرو و المختار والحير التي أنفق على كلّ منها آلاف الملايين من الدراهم ؛ وقرر يوماً أن يختن ابنه عبد اللّه المعتز فأقام احتفالاً ضخماً أنفق فيه أموالاً عظيمة ذكرها المؤرّخون بالتفصيل ونحن نشير إلى جانب من ذلك: فقد هيّأوا لذلك الاحتفال سجّادة طولها مائة ذراع وعرضها خمسون ذراعاً لقاعة القصر التي كانت بهذه المساحة ونصبوا أربعة آلاف كرسي من الذهب المرصّع بالجواهر لاستضافة المدعوّين ونثروا عشرين مليون درهم على رؤوس النساء والخدم والحاشية ومليون درهم وقد كانت منقوشة برسوم الاحتفال والختان على رؤوس الحلاق والخاتن والغلمان والخدم الخاصين ؛ وقد سئل الخاتن في ذلك اليوم على كم حصلت من الأموال حتى بدء أكل الطعام؟ فقال: ثمانون ألفاً وبضعة آلاف دينار عدا الذهب والخواتيم والجواهر والحلي ؛ وعند ما سلمت قائمة ما أنفق على احتفال الختان إلى المتوكل تبيّن أنّ الإنفاق في ذلك بلغ ستة وثمانين مليون درهم كان ذلك جانباً من عبث المتوكل بأموال المسلمين وهو غيض من فيض ولو أردنا التفصيل لطال بنا الكلام غير انّنا نضيف هنا انّ السيوطي قد كتب: انّه كان للمتوكل أربعة آلاف سرِّية ووطي الجميع .

ويقول المسعودي المؤرّخ المعروف: إنّه لم تكن النفقات في عصر من الأعصار ولا وقت من الأوقات مثلها في أيام المتوكل .