akdak

المقالات

قسم الأدب و اللغة

معنى كلمة (الفِرقة ـ الفَرق) في اللغة والاصطلاح

2410

الدكتور عبد الرسول الغفار

قال تعالى : {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4] أي يقدر في ليلة كل شيء يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل من خير أو شر أو طاعة أو معصية أو مولود أو رزق عما قدر في تلك الليلة وقضي فهو المحترم.

وقوله تعالى : {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ } [الإسراء: 106] تقرأ بالتخفيف أي بيناه وهو من فرق يفرق وتقرأ بالتشديد أي أنزلناه مفرقاً.

الفرق بمعنى الفلق قوله تعالى : {فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} [البقرة: 50] أي فلقنا بكم.

والفرقان : القرآن ويوم الفرقان : يوم بدر ، وعن الفراء يوم الفتح والفريق الطائفة قوله تعالى : {فَرِيقٌ مِنْهُمْ } [البقرة: 75] أي طائفة منهم وقوله تعالى : {فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ} [البقرة: 188] أي طائفة. وقوله تعالى : {ثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ } [هود: 24] أراد بهما المؤمنين والكفار.

والفارقات : الملائكة قوله تعالى : {فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا} [المرسلات: 4] الملائكة تنزل تفرق ما بين الحلال والحرام.

والفارق الذي يفرق بين الحق والباطل والحلال والحرام وفي قول أمير المؤمنين (عليه السلام):

« أنا الفاروق الأعظم » فالفارق اسم سمي به علي (عليه السلام) وربما انتحله غيره.

وفرق ـ بالتخفيف ـ للصلاح فرقاً وبالتشهيد فرق للإفساد تفريقاً والتفرق والافتراق شيء واحد ، ومنهم من يجعل التفرق للأبدان والافتراق في الكلام والفرق والفرقة والفريق الطائفة من الشيء المتفرق والفرقة : طائفة من الناس ، والفريق أكثر منه.

والفرقان القرآن. وكل ما فرق به بين الحق والباطل فهو فرقان قوله تعالى {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ} [البقرة: 53] كل ما يفرق بين الحق والباطل.

وقيل الفرقان : الحجة ، والنصر قوله تعالى : { وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ} [الأنفال: 41] أي يوم بدر {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [البقرة: 53] يمكن حملها على النصر بمناسبة لعلكم تهتدون وقوله تعالى : {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً } [الأنبياء: 48].

فسمي جل ثناؤه الكتاب المنزل على النبي محمد (صلى الله عليه واله) فرقانا وسمي الكتاب المنزل على موسى وهارون عليهما السلام فرقانا (1).

وقال الراغب : الفرق مقارب الفلق لكن الفلق يقال اعتباراً بالانشقاق والفرق يقال اعتباراً بالانفصال قوله تعالى : {فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 63] ، والفريق الجماعة المتفرقة عن آخرين قوله تعالى : {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ} [آل عمران: 78].

{فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: 7] ، {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي} [المؤمنون: 109] ، { أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ} [مريم: 73] {وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ} [البقرة: 85] ، {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ} [البقرة: 146]. وفريقاً يفرق بين الاشياء أي يفصل بينهما قوله تعالى : {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ} [الإسراء: 106] أي بينا فيه الأحكام وفصلناه ، وقيل فرقناه أي أنزلنا مفرقاً ، والتفريق أصله للتكثير ، ويقال ذلك في تشتيت الشمل قوله تعالى : {يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: 102] ، {فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ } [طه: 94] ، {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285] ، {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ} [الأنعام: 159] .

والفرق والمفارقة تكون بالأبدان أكثر قوله تعالى : {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف: 78] ، {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ} [القيامة: 28] أي غلب على قلبه أنه حين مفارقته الدنيا بالموت.

{وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ} [النساء: 150] أي يظهرون الإيمان بالله ويكفرون بالرسل خلاف ما أمرهم الله به.

ويوم الفرقان أي اليوم الذي يفرق فيه بين الحق والباطل وبين الحجة والشبهة : قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا } [الأنفال: 29] أي نوراً وتوفيقا على قلوبكم ويفرق به بين الحق والباطل (2).

وقال الزبيدي : والفرق الطريق في شعر الرأس ، والمفرق وسط الرأس ومن الطريق الموضع الذي يتشعب منه طريق آخر.

وقد جعل البعض التفرق للأبدان والافتراق في الكلام ، وفي الحديث البيعان بالخيار ما لم يفترقا قال متمم بن نويره يرثي أخاه مالكاً :

فلما تـفـرقـنـا كـأني ومـالـكـاً

                   لطول اجتـمـاع لم نـبـت ليلـة معا .

 وتفارق القوم فارق بعضهم بفضاً وفارق فلان امرأته مفارقة وفراقاً باينها وذلك مأخوذ من الفرقة بالضم (3).

ولو تجاوزنا المعنى اللغوي إلى المعنى الاصطلاحي لرأينا المعنى هنا مساوق للغة أيضاً ، بحيث يراد من الفرقة هي الطائفة أو المجموعة من الناس الذي يجمعها هوى واحد وعقيدة واحدة لذا استعمالها في الجانب العقيدي أكثر من بقية الاستعمالات إن صحت.

إلا أن افتراق الأمة وانشعابها إلى طوائف واتجاهات مختلفة متناحرة كل واحدة منها قد سلكت واد متمسكة بما يحلو لها من الأوهام والعقائد ، إنه عمل أضعف الجامعة الإسلامية وقادها إلى الذل والهوان وجعل المسلمون أشبه ما يكون بحالة الفريسة أمام عدوها الكاسر الغاشم. وقد حذر الرسول (صلى الله عليه واله) من هذه العاقبة التي ستؤول بالمسلمين ، إليك بعض تلك الأخبار :

قال (صلى الله عليه واله) : ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل.

وقال (صلى الله عليه واله) : إن بني إسرائيل تفرقت على اثنين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا واحدة.

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : لتفترق هذه الأمة على ثلاثة وسبعين فرقة والذي نفسي بيده إن الفرق كلها ضالة إلا من اتبعني وكان من شيعتي (4).

______________

(1) مجمع البحرين مادة فرقان ، ولسان العرب 10 / 219

(2) انظر المفردات للراغب الأصفهاني مادة فرق.

(3) تاج العروس ـ الزبيدي مادة تمرق.

(4) انظر كنز العمال 1 | 183.