akdak

المقالات

قسم الأدب و اللغة

المنهج الصرفي (الصيغة)

1364

تمام حسان

الصيغة:

والصيغة بالنسبة إلى المورفيم علامة، وبالنسبة إلى أمثلتها المختلفة ميزان صرفي، فلها هذان النوعان من التسمية، وهي بالاعتبار الثاني ملخص شكلي لطائفة من الكلمات، تقف منها موقف العنوان من التفصيل الذي تحته، ثم إنها باعتبارها علامة لا بد لها أن تدل على معنى خاص هو معنى المورفيم، غير أن هناك فرقا بين معنى العلاة الصرفية التي هي الصيغة، وبين معنى الكلمة التي هي المثال؛ فالمعنى الأول وظيفي، والثاني معجمي. وأنا إن أخرت الكلام عن تعريف الكلمة، وما يحيط بها من نقاش إلى ذكر منهج المعجم، أجدني مدفوعا هنا إلى أن أناقش معنى الصيغة، وإلى شرح معنى الوظيفية فيه.

 

ص173

 

خذ مثلا صيغة "فَاعَلَ"، تجد لها معنى وظيفيا خاصا هو المورفيم، ويسميه الصرفيون المشاركة. أضف إلى ذلك أن هذه الصغية لا بد لها أن تكون صيغة فعلية، وهذا جزء آخر معناها الوظيفي، ثم زد عليه أنها بشكلها الحاضر تتخذ ميزانا صرفيا، لما أسند إلى الغائب من هذا الفعل الذي يدل على المشاركة، وهذا جزء ثالث من معناها الوظيفي أيضا، ثم هي بتحديدها الشكلي، وبناء وسطها

وآخرها على الفتح، مغايرة تمام المغايرة لصيغة اسم الفاعل، ولصيغة الأمر منها، وهذا جزء سلبي من المعنى، فأنت ترى أننا لم نتعرض للمعنى المعجمي العرفي الذي في قاتل، وجادل، وناضل، وحاسب، وما إلى ذلك من أمثلتها التي توجد معانيها المعجمية مفصلة في القاموس؛ فالمعنى الوظيفي نحوي صرفي، والمعنى المعجمي عرفي، واجتماعي إلى حد ما، وإنما نقول إلى حد ما؛ لأن

الصفة الاجتماعية لا تتم إلى في المعنى الدلالي، الذي يكشف عنه تحليل الحدث الكلامي، وسيأتي الكلام عن ذلك في منهج الدلالة.

ولكن الصيغة الصرفية، قد لا تكون بمفردها كافية للدلالة على المورفيم، لوجود الغموض فيها، فهي إذا في حاجة إلى المثال ليوضح ما فيها من غموض، خذ مثلا صيغة "فعل"، تجدها مشتركة بين الصفة المشبهة، وبين المصدر، وتجد من أمثلتها "شهم"، و"ضرب"، فإذا وقع الغموض في الصغية هنا، فلن يقع في الأمثلة؛ لأن هذه الأمثلة إما أن تكفي بمفردها لشرح معنى الصيغة، كالمثالين المذكورين، وإما ألا تكفي كما في عدل التي تصلح لمعنى الصفة، كما تصلح لمعنى المصدر، فإذا جاء هذا الغموض في المثال كما جاء في الصيغة، اضطررنا إلى الاستعانة بوسيلة نحوية في تحديد معان صرفية، تلك الوسيلة النحوية هي السياق، ومثل ذلك يقال في صيغة فعيل، التي تأتي صفة مشبهة، ومصدرا وبمعنى اسم الفاعل واسم المفعول، وفعال، التي تأتي صيغة لمفرد، ككتاب، ولجمع، ككلاب، ولمصدر، كقتال، ولا يطعن ذلك أبدا في محدودية المعنى الوظيفي للصيغة؛ لأن هذا المعنى بحكم تسميته وطبيعته، إنما كيون في تحليل السياق؛ والسياق كما قلنا: إحدى الوسائل التي يلجأ إليها أخيرا في إيضاح هذا المعنى، وإذا فما دام هذا هو الحال، فلن يغمض على الفهم معنى وظيفي لغوي أبدا.

 

ص174

 

والصيغة باعتبارها علامة على المورفيم لا يدخلها الإعلال، أما باعتبارها ميزانا صرفيا، فهو يدخلها، "فالاستقامة" مثال من أمثلة علامة "الاستفعال" الدالة على مورفيم الطلب أو الصيرورة، ولكنها على وزن استقالة، وهذا هو الفرق بين اعتباريها المختلفين، و"بع" مثال من أمثلة افعل، شأنها في ذلك شأن "اضرب"، و"اجلس"، و"احبس"، ولكنهما على وزن "فِلْ"، ومن أمثلة هذه الصيغة أيضا "قِ"، و"عِ"، ولكنهما على وزن "عِ"، ومن هذا يتضح أن تفريقي بين الاعتبارين تفريق مقصود؛ لأن كلا منهما ذو مهمة خاصة في تقرير حقائق البنية اللغوية الصرفية.

وتدخل الصيغة في الجدول كما تدخل الأمثلة، فنحن نستطيع أن نصرف الصيغة من غير الاستعانة بأمثلتها، وهذه خاصة من خواص اللغة العربية، وربما كانت في اللغات السامية أيضا، مثال ذلك:

 

ص175

 

ومثل هذا يمكن أن يتم مع كل صيغة من صيغ الأفعال، فيكون نتيجة ذلك تصريفا في داخل مورفيم الافتعال، بحسب اختلاف الضمائر الشخصية، التي يعبر كل منها عن مورفيم آخر هو التكلم، أو الخطاب أو الغيبة، مع مورفيم الإفراد، أو التثنية أو الجمع.

واكتفاء الصرف بالصيغة، كاكتفاء الأصوات بالصوت، واكتفاء التشكيل بالحرف والمقطع، استكفاء فرضه التحليل، وإلا فليست هذه إلا مفهومات منهجية، لا تعبيرات باللغة.

ونحن لا نتكلم أصواتا، ولا حروفا، ولا مورفيمات، ولا صيغا، وإنما نتكلم جملا مفيدة مركبة من هذه الأجزاء التحليلية، التي يعتبر النظر المنهجي مسئولًا عن أكثرها، حيث يخلقها باعتبارها وسائل تقسيمية، أو أدوات لتناول مادة اللغة تناولا ينبني على منهج خاص، فالصيغة جزء من المنهج لا من اللغة نفسها، وإنك تقول: "خرج محمد بالأمس"، فتتكلم على شرط اللغة؛ ولا تقول:

"فعل مفعل بالفعل"؛ لأن هذا ليس من اللغة.

واللغة العربية محظوظة جدا بوجود هذه الصيغ الصرفية؛ لأن هذه الصيغ تصلح لأن تستخدم أداة من أدوات الكشف عن الحدود بين الكلمات في السياق، ويشكو معظم لغات العالم من عدم وجود مثل هذا الأساس، الذي يمكن به أن تحدد الكلمات.

والباحثون في لغات غير لغاتهم جديدة عليهم، يعانون التعب والمشقة اللذين يجدونهما في سبيل هذا التحديد، فيعمدون إلى كل الوسائل الممكنة يستخدمونها في هذا الغرض، ويظهر القصر والعسف في استخدامها واضحا، فأما اتخاذ الصيغة الصرفية أداة من أدوات خلق الحدود بين الكلمات في السياق، فميزة للغة العربية من كبريات ميزاتها، التي تفاخر بها، وسنذكر في تعريف الكلمة الذي سنورده في منهج المعجم بعض الوسائل، التي يتذرع الباحثون بها في هذا السبيل.

وتساعد الصيغة في الأعم الأغلب على تحديد الباب أيضا، ذلك؛ لأن معناها

 

ص176

 

الوظيفي هو المورفيم، والمورفيم نفسه تعبير عن الباب، فكأن الباب أحد معاني الصيغرة غير المباشرة، ومعنى هذا الكلام أننا إذا أخذنا "فَاعَلَ"، فسنجد كل ما على مثالها داخلا في باب الفعل الماضي الذي يدل غالبا على المشاركة، "نقول غالبا احترازا من "سافر"؛ فالصغية هنا دلت على النسبة إلى قسم من أقسام الكلام، وهذه ميزة من ميزات اللغة العربية أيضا، واعتماد هذه الدلالة هي ما يسميه علماء اللغة بالتحديد الجراماطيقي "Grammatical Designation". وإذا لم تدل الصيغة بنفسها على هذا التحديد، يبقى مثاله محايدا من الناحية الجراماطيقية، "وقد مثلنا لهذه الحالة بكلمة "عدل""، حتى

يوجد ما يحدده، ويوضح معناه الجراماطيقي.

ولكن الصيغة في اللغة العربية، تعجز عجزا تاما عن أن تشمل طائفة كبيرة من العناصر اللغوية، غير الخاضعة للاشتقاق كالضمائر، والأدوات.

ويلاحظ أن معاني هذه العناصر جميعها غير محدودة من الناحية المعجمية، محدودية الكلمات ذات الصيغ الصرفية، وهذا هو الذي دعي برتراندرسل1 إلى أن يسمى بعض هذه العناصر، "خواص مركزية شخصية"، حيث يقول: "إنني أسمي الكلمات التي يختلف معناها باختلاف المتكلم، ووضعه في الزمان والمكان "خواص مركزية شخصية" والأسس الأربعة لهذا النوع هي أنا، وهذا، وهنا، والآن".

ص177

__________

1 Human knowledge p. 100.